الاثنين، 16 يناير 2017

نصائحُ لحفاظ الوحيين/مذكرات الشيخ يحيى اليحيى (ما لها وما عليها)

أبو الهمام البرقاوي


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمدُ لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم نلقاه.
وبعد.
فهذه ورقة أرشِد بها أهل القرآن الكريم المريدين حفظَ السنة النبويّة؛ لئلا يلحظوا أيّ عائق أثناء حفظهم، وسأضع اهتمامي بمختصر الشيخ: يحيى بن عبد العزيز اليحيى، المسمى " الجمع بين الصحيحين، مفردات مسلم، مفردات البخاري، زوائد سنن أبي داود على الصحيحين، زوائد الترمذي على الصحيحين وأبي داود، زوائد النسائي على الصحيحين وأبي داود والترمذي، زوائد ابن ماجه على الكتب الخمسة، زوائد الموطأ على الكتب الستة، زوائد الدارمي على الكتب الستة، زوائد أحمد على الكتب الثمانية، إلخ .. " وذلكلأسباب:
الأول: لشهرتها بين طلبة العلم، فللمؤلف أكثر من عشر سنين وهو يُنشئ الدورات لحفظ السنة النبوية.
الثاني: الكفالة المادية من أهل الدثور لهذه الدورات، بدعم جميع التكاليف الخاصة لهم.
الثالث: انتشارُها في جلّ البلاد العربية، وكثير من الدول الغربية.
الرابع: وجودها الأصلي في مكان شريف، وهو " الحرم المكي " و كذلك " الحرم المدني ".
الخامس: نصح أهل العلم والفضل بحفظ المختصرات، وتخريجهم للحفاظ بين أمّة ومدّة.
السادس: تخريج الحفاظ الذين أصبحوا من الكبار في الحفظ والفهم، كالشيخ يوسف الغفيص، والشيخ شافي العجمي، فهذه مدرسة أينع ربيعها، وثبُت ساقهُا، وأوتيت ثمرَتُها.

والمستنقص فلأمرين، إما أن يكون لذاتِ الدورات من حيثُ الوقت والمكان والعمر، أو لذات المذكرات من حيث خلل الاختصار وعدم المنهجية، وهؤلاء أحد رجلين:
إما رجلٌ ليس له من عمرِه إلا النقد، ولا يحفظُ شيئًا من السنة النبوية، إنما همه التكلم عن المنهجية والدعوة إليها دون أي تجربة متقدمة، أو رجلٌ من أهل العلم له بعض الملاحظات والانتقادات العلمية على مدة الدورة، وخطإ منهجيّة المؤلف في الاختصار، وخطإ منهجية الحافظ في مسيرته العلمية، فهو رجلٌ من أهل العلم والفضل يحثُّ عليها من حيث العموم، ولكن له توجيهات وتنبيهات إرشادية، يصبو بها التكميل.

لكني أقول: لكلٍّ وجهةٌ هو موليها، والأصل أن ينظر الناقد بعينيه، عينِ الخطإ، وعين الصواب، حتى يُكمل مشروعه بما له وما عليه، ثم يصوِّبهما ويكمِّلهما؛ لأن الشهرة والاتساع ونصح العلماء والجهود المبذولة في طبع الكتب ونشر الدورات، يجعل الناقد لا يوقِف المشروعَ برمّته -على فرض صحة ما يقول -.
وبرهان هذا التخريج الأخير في (بريدة) لحفاظ السنة النبوية، وكان من بينهم طالبٌ بلغ من العمر عشر سنين، يحفظ الكتب التسعة كاملةً.!
وسأتكلم عن إيجابيّات الدروة وسلبيّاتها، فمنذُ نشأتُ وأنا أنظر بين دفتي طبعات المختصر للشيخ يحيى اليحيى للحفظ، حتى كنت يوما طالبًا معهم في دورة مكة المكرمة، فرأيتُ المؤلف والطلبة وسمعت منهم، ثم جلستُ مع بعض الفضلاء فكانوا يردّوني من إكمال مسيرتي في كتب الشيخ، حتى زكنتُ ما لي، وما عليّ.

أما إيجابيّات المذكرات والدورات:
الأولى: جودة الطبعة، وتلوين روايات البخاري بالأحمر تمييزًا عن مسلم، وترفيع حجم الخط إن كان من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم تسهيلًا للحافظ.
الثانية: تجزئةُ الكتاب في مجلدات، حتى يكون أدعى للإكمال، وأسعد للحافظ حين ينظر لخطواته الماضية.
الثالثة: تراكبُ الجمل في الحديث واتّساقها، وإن وُضع لفظٌ لمسلم، أو تلوين للبخاري، واختيار اللفظ الأنسب من المؤلف.
الرابعة: إنشاء الأماكن والأجواء المناسبة وحصر الأوقات حتى لا يرى الطالبُ أيّ لهو ولغو، فما زلت أذكر الدورة الماضية التي نسيتُ فيها مهاتفة والدتي عشرة أيام، ولما كلمتها استعجلتُها، والتي كانت أقلّ نومٍ في أيام حياتي، وأكثر حرصًا وهمةً في الحفظ.
الخامسة: إيداع جميع مرفوعاتِ الأحاديث في عقلك، وما لن تحفظه بعض الألفاظ في الأصل، وقليل من الموقوفات والمقطوعات، وذكرتُ غير ما مرة أنّ الشيخ في عداد الطبعة الأخيرة للصحيحين، وفقه الله وأعانه.
السادسة: بداية موافقة في حفظ المختصرات، فقد أوصى كثير من أهل العلم بمختصرات المتون، ثم بمطوّلاتها، وكذا الأحاديث في حفظ عمدةِ الأحكام ثم بلوغ المرام وهكذا في حفظ مختصرات الصحيحين، فكثيرٌ منّا لا يعرف بل يستهجن أن يحفظ أصل البخاري وأصل مسلم، ولكن ليس بعزيز عليه حفظ المختصرات.

أما السلبيات أو الاعتراضات:
الأولى: أكثر حفّاظ الصحيحين وغيره قد نُسو ما حفظوا بعد انتهاء الدورات؛ لأن كثرة المحفوظ مع قلة الأيام، ثم تركها لمدة يسيرة فإن نسيانها يكون أسرع مما لو كان له ورد قليل يوميّا من المحفوظ.
الثانية: بدءُ من لا همّة له في الحفظ، أو من لم يتعود على المحفوظات الطويلة في الأيام القصيرة، فسريعًا ما تتحبط همتُه، وتتراجع قواه، فأنصح هذا أن يبدأ بالأربعين النووية ثم العمدة فالبلوغ، فإن رأى من نفسِه نشاطًا حفظ ما أجمع عليه الشيخان؛ لأنهما كتابان شاملان لأحكام الدين، لا الأحكام فقط، فإن كنت مريدًا للفقه قاصرًا الحفظ فعليك بأحاديث الأحكام، وإن كنت مريدًا للفقه عاليَ الهمة في الحفظ فاحفظ جميع أبوابِ الدين دون مثنوية.
الثالثة: قد يخلطُ طالبُ العلمِ فيظنّ نفسه قد حفظ البخاري بأكمله، وحفظ مسلما بأكمله، وليس كذلك.
الرابعة: تركُ استظهار أصليِ البخاري ومسلم، فالفقه والاستنباط والدقة في أصلهما، لكن الاختصار أسقط هيبة ما ذكرتُ، فلا غنى لطالبِ العلم أن يقرأ الأصول ويتعرف على موسوعية البخاري ومسلم حين يسردان الأسانيد، ويرتبان المتون، ويذكرا الآثار المقطوعة والموقوفة.
الخامسة: تركُ التفقّه وإهمال جانب الفهم، وإكمال جانب الحفظ، هذا وإن كان الحفظُ نصفَ العلم، فلست مكمّلا له إلا بفهمك وإعمال عقلك في الأحاديث النبوية، لاستخراج الكنوز والدفائن التي لا يفطِن لها غير الحافظ.
السادسة: قد يظنّ البعض تلوين البخاري، وتكميل الحديث بالنظر إلى حاشية الإمام مسلم، متعبٌ وتنقطع دونه رقابُ المطيّ، وهذا إما أنه صاحب همة ضعيفة، أو لم يجرِّب تناسق الحفظ في تغيير بصره، أو حفِظَ المختصر دون الحاشية، فإذا ما رجع ليحفظ الحاشية شق عليه كثيرًا –كما هو حالي-.
وأنا مشرفٌ على بعض الطلبة الصغار في اختبار المذكرات، وكانوا يقرؤون الحديث بأكمله مع الحاشية مع ما للبخاري دون أي صعوبة أو اعتراض، مما يدل على سهولة الحفظ ابتداءً، والله أعلم.

أنصحُ كل مقبلٍ على الصحيحين أن يجرّب بادي الأمر كتابَ الإيمان، فإن صلح أمره فيه واصل محفوظه.
وأنصحُ كل مقبل على الصحيحين أن لا يدخل في الدورات ذات الثلاثين والأربعين يومًا، إلا أن يكون جرّب ذلك وكان سهلا، أو لم يجرب لكنه قوي الهمة في الحفظ.
وأنصحُ كل مقبلٍ على الصحيحين أن يعتني بفهم الكتاب والسنة، ولا يهتم في جانب دون آخر.
وأنصحُ كل مقبل على الصحيحين أن يضع لنفسه منهجا وبرنامجا للمراجعة، ويوقف محفوظه؛ حتى يترسخ ما سبق؛ لئلا يتراكم ويتراكب همّه على هم.
وأنصحُ كل مقبل على الصحيحين أن يخصص لنفسه أو مع غيره قراءةً للأصول واستظهار أماكنها.
هذا ما حضرني، وأعلم أني لم أوفِ بالمقال حقّه ومستحقّه، لكن حسبُ القلادة ما أحاط بالعنق، وأرجو إثراء الموضوع ببعض التوجيهات والانتقادات حتى أضمّه بعدُ لأصل المقال، ونشره في مطويّة – إن شاء الله -.

أخوكم / 
أبو الهُمام البرقاوي
8/4/1433هـ ليلة الجمعة.
 
https://saaid.net/mktarat/alalm/79.htm

0 التعليقات:

إرسال تعليق